ابراهيم محمد الهمداني
كان على أمريكا – وفقا لسياستها البراغماتية – ألاَّ تكتفي بالمعاهدات والاتفاقيات الضامنة لمصالحها في منطقة شبه الجزيرة العربية عموما، والسعودية ودول الخليج خاصة، وكان لزاما عليها أن تلعب دور الحارس الأمين والحامي المدافع عن نظام آل سعود والأنظمة الحاكمة في منطقة الخليج، ولن يتسنى لها ذلك إلا بوجود عدو حقيقي، وفي حال عدم وجوده حقيقة، لجأت أمريكا إلى اختراعه بوصفه عدوا أسطوريا ووحشا خرافيا اسمه إيران، وسعت إلى إقناع تلك الأنظمة المترهلة الغارقة في الفساد بخطورة ذلك العدو المزعوم، لتحقق بذلك أكبر قدر ممكن من البقاء والنفوذ والمصالح، ورغم وجود علاقات ودية بين إيران والسعودية ودول الخليج، إلا أن أمريكا استطاعت إذكاء نار الخطورة المزعومة والتهديد المرتقب بعد توقيعها على الاتفاق النووي الإيراني، لتلعب من خلال هذه الورقة المستهلكة، دور البطل المتأهب للتدخل في اللحظة الحاسمة، وهي الورقة ذاتها التي سعت أمريكا إلى استغلالها والترويج لها والتذرع بها على لسان نظام آل سعود، لتبرير الحرب على اليمن، بحجة محاربة المد الفارسي الإيراني في اليمن، وهي حجة داحضة، وعذر أقبح من ذنب، لا تبرر – بأي حال من الأحوال ـ حرب الإبادة الجماعية والمجازر والقتل الممنهج، والحصار المطبق وجرائم الحرب البشعة بحق الشعب اليمني بأكمله، وبعض النظر عن كل ذلك، هل كانت إيران – يوما ما – خطرا حقيقيا يمس سيادة واستقلال السعودية والخليج، وهل حدث فعلا ما يثبت ذلك ويؤكده على أرض الواقع، وهل اشتبك البطل الأمريكي في حرب ضد إيران لحماية السعودية وأخواتها؟، أم أن المسألة برمتها لا تعدو كونها زوبعة إعلامية بهدف الاستهلاك السياسي والإعلامي، وتخدير الجماهير وإلهائهم بعدو وهمي عن العدو الحقيقي.
طالما كانت اليمن بمثابة الحديقة الخلفية لمملكة آل سعود، وراعية لمصالح أمريكا وبريطانيا وأخواتهما في المنطقة، وحين سعى الشعب اليمني إلى انتزاع سيادته واستقلاله، في ثورته على جلاديه في 21 سبتمبر 2014م، رأت الإمبريالية الأمريكية في ذلك خطرا يهدد هيمنتها ويحد من نفوذها ومصالحها، ومشاريعها الاستعمارية الساعية إلى تمكين الكيان الصهيوني من تحقيق حلمه المريض وتنفيذ احقاده الخبيثة، وتفكيك كل البنى والأواصر والعلاقات المجتمعية، والنيل من الدين الإسلامي والأرض والإنسان، لتسهيل مهمة بسط النفوذ والهيمنة الصهيونية في المنطقة بكلها. لم تكن إيران ولا التشيع ولا الشرعية هي المبرر الحقيقي لهذه الحرب الوحشية ضد الشعب اليمني، ولم تكن تلك الحرب رغبة سعودية ذاتية خالصة، بقدر ما كانت استجابة لرغبة أمريكية صهيونية امبريالية، تبناها نظام آل سعود، وقام بالدور الرئيس في تنفيذ مخططاتها وتحقيق أهدافها، مؤملا إعادة اليمن إلى حظيرة الطاعة الأمريكية السعودية، وإعادة تفعيله ضمن أدوات تنفيذ المشروع الاستعماري الصهيو أمريكي في العالم العربي والإسلامي.
ماذا ربح نظام آل سعود من حربه على اليمن، وإلى أي حد يمكن إقامة علاقات ثنائية مستقبلا، وهل سيثق الشعب اليمني في قاتله مجددا؟؟.
يمكن القول إن الحرب على اليمن مثلت في أحد جوانبها رغبة ما لنظام آل سعود – خاصة الملك وولي عهده – نزولا عند وصية المؤسس عبدالعزيز آل سعود، الذي أخبرهم أن عزهم في ذل اليمن وتشرذمه، وذلهم في عز اليمن ووحدته وقوته، وهو منطق سقيم ورغبة مريضة في اجتراح ثقافة المحو بحق الآخر، غير أن من المسلم به أن تلك الرغبة لم تكن أبدا ضمن رغبات شعب نجد والحجاز وبلاد الحرمين، المغلوبين على أمرهم، الذين طالما عانوا الويلات جراء تعسف وظلم وجبروت هذه الأسرة الحاكمة، وتبني أحرار نجد والحجاز وبلاد الحرمين لهذا الموقف الرافض لعنجهية وغطرسة الحاكم المستبد، يعد أولى خسارات النظام، علاوة على مظاهر الغضب والاحتقان الشعبي الناتج عن سياسة القمع ومصادرة الحريات والحقوق وامتهان كرامة الإنسان، والتلاعب بمصير شعب، والمقامرة بلقمة عيشه واقتصاده وثرواته ومقدراته، تلبية لمصالح ورغبات أمريكا وإسرائيل، ونزوات وطيش وسفه الحكام واستبدادهم.