من واقعِ معاناةٍ طويلةٍ في ظِلِّ العدوان الذي تجاوز العام حينَها وصمودٍ أسطوريٍّ كبيرٍ، أتى الصمَّـادُ ليكونَ رئيساً للمجلس السياسي الأعلى بعد أن كان قد وصل الشعبُ اليمنيُّ إلى حالةٍ من اليأس من نجاحِ أية فرصة للسلام، وإدراك عميق لحجم التحدي والتآمر العالمي على الشعب اليمني، وقناعة تامة بضرورة تآزر الجهود والتحام القوى السياسيّة والوطنية لمواجهة التحدّيات في تشكيلِ المجلس السياسي الأعلى في مرحلة حرجة وظرف صعبٍ للغاية.
فنهض بحمْـلٍ ثقيل وتحمَّلَ مسؤوليةً كبيرةً في ظرف حَرِجٍ، اختط خارطةَ حدوده بصبره وصمود، ورسم ملامحَ مستقبله بجهاده وتضحيته، فمن بين الحشود ومن بين أصوات رجال اليمن ونسائه وأطفاله يوجِّهُ أولى رسائله للعالم أجمع في العشرين من أغسطس 2016م من ميدان السبعين: “إن هذا هو الشعبُ اليمني، وهذه هي الديمقراطية، وهذه هي الشرعية، ولو لم يبقَ في هذا الشعب إلا أُسَرُ الشهداء وأقاربُهم لكانت كفيلةً بأن تثأرَ لهذا الشعب، ناهيك عن هذه الحشود المليونية وغيرِهم من جميعِ أرجاء اليمن”.
فتحمَّلَ المسؤوليةَ على أكملِ وجه، كان قريباً من جميع القوى والمكوّنات السياسيّة، رجلَ وفاق ومحطَّ توافق، صاحبَ فكرٍ نَيِّــرٍ، ومشروع تنمية وبناء، قائداً سياسياً، ورجلَ حربٍ وسلام.
تجسّدت فيه مواصفاتُ المسؤول الناجحِ والقائد المُلْهِـم، فبقدر حرصه الشديد على تفعيل مُؤَسّسات الدولة وإرساء العمل المُؤَسّسي تجدُه حاضراً في الصفوف الأممية يحشِّـدُ للجبهات هنا، ويحضر حفل تخرُّج دفعة عسكرية هناك، يشقُّ عبابَ البحر متفقِّداً القُـوَّات البحرية، ويتعهّدُ بالمواكبة والتطوير القُـوَّةَ الصاروخية، يتلمَّسُ معاناةَ وهمومَ شعبه في الجبل والساحل، مع العلماء عالمٌ لا يُشَقُّ له غُبارٌ، ومع السياسيين قائدٌ سياسيٌّ من الطراز الرفيع، لا يملكُ مرؤوسيه غيرَ تقديره واحترامه، وكلُّ مَن عرفه عَظُمَ قدرُه في نظره وزادت مكانتُه؛ لأنَّه من أعظم المجاهدين الأتقياء الأنقياء الذين يتشرَّفُ المرءُ بمخالطتِهم، والعملِ إلى جانبهم.
التصَـدِّي للعدوان وتعزيزُ جبهات المواجهة ورفعُ المعنوية القتالية وروح الصمود، وتقويةُ اللُّحمة الداخلية هَـــمُّـــهُ الشاغِـلُ وأولى أولوياته، إلى جانب توجُّهٍ جاد نحو محاربة الفساد، وحرصٍ شديد على الإصلاح والبناء، والتطوير والنماء، خلال مسيرةٍ حافلةٍ بالجِهاد والإباء والتضحية والعطاء، حتى جاد بروحه في سبيل الله والدفاعِ عن شعبه.
وخلال هذه المسيرة معالمُ مهمةٌ عديدة، ومحطاتُ تحوُّلٍ كبيرةٌ، نستطيع أن نقولَ: إنَّ أبرزَ تلك المعالم إرساءُ النظام الإداري والعمل المُؤَسّسي بتفعيل مُؤَسّسات الدولة والحرصِ على طَبْعِ كُـلّ الأنشطة في مواجهة العدوان بالطابع الرسمي، والعمل على وَحدة الصفّ طوالَ رئاسته المجلسَ السياسي الأعلى.
أمَّـا محطاتُ التحوّل والمراحل المهمة فبالإمكان المرورُ على أهمِّها بإيجازٍ كما يلي:
1- مرحلة رفع مستوى الوعي لدى الشعب وتعزيز ثباته بما أسماه “الصمود الأسطوري”.
2- مرحلة التجميع للجبهات وفتح معسكرات التدريب التي أشرف وعمل عليها بنفسه وحشد جميعَ الطاقات في مواجهة العدوان والاهتمام بالجانب العسكري والتطوير الصاروخي.
3- مرحلة التوجّه نحو محاربة الفساد، ولا تزالُ كلمتُه المدويةُ في الذكرى الأولى لتولّي المجلس السياسي الأعلى إدارة البلاد في 15 أغسطس 2017 حاضرةً في أسماعنا عندما قال: “لا يمكنُ أن أكونَ مظلةً للفساد من أي شخص كان سواءً في حكومة أَوْ أية مُؤَسّسة أَوْ جهاز من أجهزة الدولة”.
4- المرحلة التي أعلن عنها بعد مرور عامين ونصف عام على العدوان في حفل تخرّج دفعة عسكرية بقوله: “والآن سنبدأ بإذن الله تعالى بهؤلاء الرجال وبغيرهم ممن هم في معسكرات التدريب؛ لنفتحَ نحن المسارات على أعداء الله لننتقلَ من وضع الدفاع إلى وضع الهجوم، في استراتيجية عسكرية قوية”.
5- مرحلة المشروع الكبير الذي أطلقه في بداية العام الرابع للصمود، مشروع بناء الدولة، وإرساء مبدأ العمل المُؤَسّسي، تسندُه الجبهاتُ ويسندُ الجبهات عنوانه وشعاره “يدٌ تحمي ويدٌ تبني”.
6- مرحلةُ العام البالستي الذي قال عنه إنه “إذا استمر عدوانُهم سيكونُ عاماً بالستياً بامتياز وسيدشّـن خلال الفترة القادمة كُـلَّ يوم لن تسلم أجواء السعودية من صواريخنا مهما حشدوا من منظومات ومهما حشدوا من دفاعات جوية”.
فالرئيس الصمَّـاد هذا أُفُقُ مشروعه وهذه أبعادُ رؤيته في فترة وجيزة وفي ظل عدوان عالمي، وليس غريباً أن يكونَ كذلك، بل الغريب أن لا يكونَ، كيف لا؟!، والرئيس الصمَّـاد من اسمه يتجلّى أَكْثَـرَ صموداً في وجه أعتى عدوان يشهدُه اليمن، ولم يشهدْ مثله عبر التأريخ؛ ولذلك شكّل خطراً كبيراً وتهديداً خطيراً على المعتدين، فكانت كُـلُّ تحَـرّكاته تُرْعِبُهم حتى بعد وضع اسمه في قائمة المستهدفين؛ لأنَّه حمَلَ روحَه على كفه وانطلق بكل تفانٍ وإخلاصٍ من واقع معاناة شعبه لرفعِ المعاناة عنه والحرصِ على التغيير والبناء وهو يعلمُ -حسب تعبيره- أن الطريقَ طويلٌ ومحفوفٌ بالتحديات، وخَاصَّـةً في ظل العدوان والحصار.
ولكن كما كنا بقدر التحدي في جبهات القتال وصمدنا وحطّمنا أحلامَ الغزاة والمحتلين فسنكونُ بإذن الله بمستوى التحدي على طريق بناء الدولة.
فكان فعلاً بمستوى التحدي فلم يضعُفْ، ولم يَلِنْ حتى لقيَ اللهَ شهيداً وفاز بأُمنية غالية طالما تمنَّاها وسعى لها، ولم يحقّـق العدوانُ أيَّ نجاحٍ باستهدافه؛ لأنَّ الصمَّـادَ مشروعٌ اختطَّه لنا بتضحيته وصُموده؛ لأنَّ الصمَّـادَ أُمَّةٌ تسيرُ على النهج الذي رواه بدمه، وسنظلُّ أوفياءً له بمواصلة دربه، وتجسيد وحِماية مشروعه، ولن نكونَ في الأَيَّـام القادمة إلا كما قال هو سلامُ الله عليه: “أقوى عُوداً وأذكى ناراً، وأن لدينا إن شاء الله من المفاجآت لهم ما لم سيفاجئُهم، أَكْثَـرَ من الماضي