إذا ما تأملنا بعمق في الأحداث والوقائع على مدى ما يربو عن ثلاثة اعوام من العدوان على اليمن، ابتداء ًمن ضرب وتدمير بنيته التحتية والعسكرية والاقتصادية، مروراً بفرض الحصار واحتلال مناطق الجنوب ونهب ثرواته وخيراته ومقدراته، وانتهاء ًبنشاط وتحرك ما يسمى بالمنظمات الإنسانية والدولية .. نجد اننا امام سناريو فلسطين او ليبيا او عراق جديد في المنطقة.
لم يأتي هذا الاستنباط من فراغ، بل هناك علامات وشواهد ودلائل بارزة الوضوح، لا تحتاج الى بذل جهد او عناء فكل ما يلزمك لاكتشاف ذلك او تبيّن حقيقته من عدمها هو فقط استعراض أحداث وأوضاع بعض دول المنطقة آنفة الذكر، وقبل أن اخوض في نموذج سأبدأ بسرد ما يحدث مؤخراً في اليمن، فمن ضمن ما تم ملاحظته في الآونة الأخيرة هو انتشار نشاط المنظمات الدولية بشكل واسع وفي شتى ومختلف المجالات، ففي الجانب الصحي مثلاً تتبنى بعض المنظمات توفير اللقاحات والأدوية والمستلزمات الطبية وغيره، وتتبنى اخرى تقديم المعونات العينية والنقدية كمخيمات وغذاء ومستلزمات للنازحين والمحتاجين، فيما تقوم بعض المنظمات والبنوك والصناديق العربية والدولية (باختلاف مسمياتها) بتموين مشاريع حيوية كإعادة وتأهيل وترميم الشوارع والجسور وطلاء الأرصفة والتشجير وغيره، ايضاً في المجال التعليمي هناك منظمات تقدم العديد من الخدمات كمثلاً ما يعرف بالحقيبة المدرسية ودعم الطالب الجامعي وغيره، ومما لوحظ ايضاً وهو ما يستدعي للتأمل والتدقيق هو ضهور منظمات تعمل على شراء الأفران والمخابز عبر موظفيها بمبالغ تفوق ثمنها الحقيقي بأضعاف مضاعفة ومن ثم يتم ترميمها وتفعيلها لتقديم الخبز مجاناً للفقراء والنازحين، سمعت ايضاً ان هناك منظمات تعتزم صرف مرتبات المعلمين كخطوة اولى يليها صرف المرتبات لكافة العاملين بوحدات الخدمة العامة بالجمهورية، وهناك العديد والكثير من التحركات والأنشطة التي لا يتسع المقام لسردها .
ما اريد قوله هو أن هذه المنظمات من خلال ما توفره وتقدمه من خدمات متنوعة، هي تقوم بمهام وواجبات الدولة، لذا فهي تقوم مقام الدولة وتحل محلها فعلاً، السؤال الذي يضع نفسه : لماذا تتحمّل هذه المنظمات ولازالت كل هذه الأعباء والمشقة والعناء وتنفق المليارات؟ هل من اجل سواد عيون اليمنيين، ام رأفتاً بحالهم واوضاعهم الإنسانية الصعبة الناتجة عن الحرب والحصار؟ إذا كان كذلك فهناك الكثير والكثير على امتداد هذه الأرض ممن احوالهم واوضاعهم اكثير سوءاً وظروفهم ابلغ صعوبة ويستحقون الدعم والمعونة .. لماذا لم تكن الأولوية لهم مثلاً ، ولما لم يتم الالتفات إليهم اصلاً ؟
والسؤال الأكثر اهمية : من اين تحصل هذه المنظمات على كل هذا الدعم والأموال الطائلة، ولصالح من تعمل، وما المردود من كل ذلك ؟؟؟
الموضوع ابعد واعمق واخطر فهذه المنظمات هي في الأصل منظمات استخبارية، لا إنسانية كما تريد تصوير وتقديم نفسها للعالم، وتعمل في الباطن لحساب الموساد الإسرائيلي الذي يتحكم بالعالم بغربه قبل شرقه وفي مقدمته وعلى رأسه امريكا، وما يثبت صحة ذلك هو تحركاتها المشبوهة والمكشوفة في المنطقة، والتي ما عادت تنطلي إلا على الطاعنين في الغباء المستفحلين في البلادة والبلاهة .
لقد بات من المسلمات اليوم ان امريكا ومن خلفها إسرائيل هي من تخطط وتقف وتدعم وتشعل وتغذي الفتن والصراعات والحروب في المنطقة من خلال وعبر حلفائها وادواتها واذرعتها، وهي من تلعب دور المنقذ والمخلّص في اخر المطاف من خلال تبنيها للمبادرات والحوارات والمباحثات بين الأطراف نفسها التي اشعلت هي الفتن والحروب فيما بينها من جهة ، وعبر هذه المنظمات الدولية المدعية للإنسانية والتي تعمل دوماً وابداً على تحسين صورة امريكا والغرب واليهود تحديداً من خلال اعمالها وخدماتها الإنسانية النبيلة من جهة اخرى،
والمخطط عموماً يبدأ بتشويه صورة الإسلام والعروبة وينتهي بزرع وضرب العرب والمسلمين بعضهم ببعض، لتتدخل هي في الأخير كما جرت العادة لعزل وتحييد مناطق الثروات والمقدرات عن مواقع واماكن المواجهات، ومن ثم الاستحواذ والسيطرة عليها ونهبها اولاً بأول، فيما يتم إبقاء المواجهات في الاماكن البعيدة عن سيطرتها وتغذية وتموين طرفيها لضمان استمرار الحرب والمواجهات فيما بينهم لغرض إشغالهم وإلهائهم عن ما يدور من حولهم .
فلسطين والعراق وليبيا وسوريا نماذج بالإمكان إسقاط ما حدث ويحدث في اليمن على اي منها والتأكد بصحة ما ذكر من عدمه، والمهم والأهم اخيراً هو ان يعي الجميع مدى خطورة هذه المنظمات التي تهدف الى جعل المواطن اليمني عالة على غيره غير منتج، يحصل على خبزه ودوائه وملبسه وكل احتياجاته من المنظمات، والمضمون وخلاصة الخلاصة كما يقال ” من لا يملك قوته لا يملك قراره. ” .