هذه الصفعة لن يشعر بها ـ للأسف ـ المطبّعون والمستهترون بالكرامات من الأعراب، لأنهم اعتادوا أن تكون رقابهم تحت أكفّ الصهاينة وحُماتهم من الأميركيين، واستمرأوا الانحناء أمام السيّد الغربي مهما كان نوعه أو جنسيته.
من اهتزت روحه من هذه الصفعة هو المواطن العربي العادي، الإنسان الذي يتلقى كل آثام العرب منذ اجتماع ندوة قريش في عصر الجاهلية إلى عصر جامعة الدول العربية وسياستها المتراخية أمام الخطوات التطبيعية.
هذا المواطن العادي كان يأمل بزعماء يعملون لتحرير فلسطين، وبجيوش تجهّز لطرد الصهاينة الغاصبين، وبأسلحة متطورة تُستخدم لتحرير الأقصى الحزين، وإذا به يفاجأ بأدعياء زعامة، جلّ فخرهم أنهم وضعوا يدهم بيد المجرم بنيامين نتنياهو، وأعلى نضالهم هو فتح أبواب الدول العربية للبعثات الرياضية الصهيونية، وأقصى أحلامهم هو تنفيذ “صفقة القرن” التي تجعل من الكيان الصهيوني سيداً في منطقتنا، بسيادة لا تُنازع وسيطرة لا تُقارع.
مَن كان ما يزال يضع الأمل في صاحب جلالة أو سمو أو فخامة سيشعر اليوم بأن آماله قد انهارت، وأن رقبته قد ديس عليها، وليس فقط تلقت صفعة كف موجعة، وهو يرى بعض الزعماء يستقبلون المجرم نتنياهو، فيما جيش هذا المجرم يقتل أبناء الشعب الفلسطيني على حدود غزة، ويعتقل المصلّين المسلمين والمسيحيين في القدس، ويدوس جنوده على راهب مسالم في قلب مدينة السلام.
ليست هذه أول مرة، ولن تكون الأخيرة، ونادرٌ من لم يلوّث شرفه بالتعامل مع العدو وبالتطبيع معه، بين الملوك والرؤساء والزعماء والمسؤولين العرب. ولكن مع هذه العتمة المقزّزة يبقى الضوء مشرقاً، ويبقى هناك بعضٌ يفزع العدو منه، فيهرع قادته إلى المطبعين عسى أن يتمكن معهم من هزيمته.
إنه بعضٌ مقاوم، معاند، رافض للاستسلام، ومعارض للتطبيع والانهزام، ومقاتل حتى تحرير كل الأرض من العدو ومن الأزلام. مصيبة العدو ومستقبليه في الدول العربية واحدة. إنها مصيبة الحياة التي ما زالت تنبض في عروق الأمة، ومصيبة المقاومة الواقفة على حدود الأوطان، تنكّل بالعدو وتثير غيظ أصدقائه المطبّعين، ومصيبة وجود مواطن عادي، ما زال يحس بألم الصفعة، وما زال يحزن لاستهانة الزعماء بحقوق الأمة، وما زال حيّا بحبّ فلسطين وبرفض الصهاينة المحتلين، مهما طالت الأزمان.