في أقل من عامين فقط من تولى الرئيس الشهيد صالح الصماد إدارة البلاد كرئيس للمجلس السياسي الأعلى، تعامل كرئيس لليمن بشماله وجنوبه، لقد كان رئيساً بحجم الوطن، ومنح الجنوب من الاهتمام ما منحه للشمال، ومنذ اللحظة الأولى لتقلده السلطة في اليمن لم تغب القضية الجنوبية من خطاباته، ولم يتناس مظلمة الشعب الجنوبي التي تعد إرثاً ثقيلاً خلفته الأنظمة السابقة، بل أبدى استعداده لإنصاف أبناء الجنوب والتعامل مع قضيتهم بكل جدارة، وعكس الأنظمة السابقة الذين سعوا لإدارة القضية الجنوبية بافتعال الأزمات وشراء الولاءات وضرب القضية الجنوبية من الداخل، دون أن تقدم حلاً منصفاً لأبناء الجنوب.
أخذ الرئيس الشهيد صالح الصماد زمام المبادرة، واعترف بالقضية الجنوبية كمظلومية لا يمكن تجاهلها، وأبدى استعداده لتقديم الحل العادل الذي يرضي كل جنوبي، فدعا أبناء الجنوب بكل أطيافهم وتوجهاتهم إلى حوارٍ جادٍ يفضي إلى الحل ولا يفاقم المشكلة.
لقد كان للرئيس الشهيد صالح الصماد رؤية ثاقبة وحكيمة للقضية الجنوبية، وكان يدرك أن حل القضية الجنوبية لا يكون باستدعاء الاحتلال وتسليم محافظات الجنوب للمحتل والغزاة الأعراب، بل بالجلوس على طاولة واحدة لمناقشة كافة الملفات مع قيادات جنوبية حرة ونزيهة وتمتلك القرار وغير مرتهنة لدول العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي.
تلك الاهتمامات جسدها خلال لقاءاته المتكررة مع القيادات الجنوبية المتواجدة في العاصمة صنعاء، وجسدها في خطاباته الرسمية، وجسدها في اهتمامه بما يحدث من جرائم جسيمة من قبل الاحتلال الإماراتي بحق أبناء الجنوب، لقد مد الرئيس الشهيد الصماد يده لكل جنوبي حر وشريف للحوار وأعلن ذلك في أكثر من لقاء وأكثر من خطاب.
ومن خلال تعامله مع أبناء الجنوب المتواجدين في العاصمة صنعاء بمختلف مكوناتهم من قيادات سياسية وعسكرية وشخصيات اجتماعية كان الجميع يلمس مدى اهتمام الرئيس بالجنوب ومعاناة أبنائه، وأثبت لكل أبناء الجنوب أنه قريب منهم ومن معاناتهم، وحتى خطابه الأخير قبل استشهاده -رضوان الله عليه- كان الجنوب حاضراً في كل ذلك الخطاب، فالرئيس الشهيد كان مواكباً لكل ما حدث، ويشارك كل أبناء الجنوب معاناتهم وتطلعاتهم في تحرير المحافظات الجنوبية من المحتل الغازي الذي يمارس بحق شعبنا الجنوبي الحر أبشع الجرائم والانتهاكات، ورغم اهتمام الرئيس الشهيد بما تتعرض له الجنوب من نهب للثروات وتدمير للمؤسسات الوطنية العريقة كميناء عدن مثلاً، وما تتعرض له جزيرة سقطرى من تجريف للثروة وتدمير للبيئة، وما يتعرض له الآلاف من أبناء الجنوب في سجون المحتل السرية من أعمال تعذيب، يضاف إلى الجريمة المنظمة التي يقف وراءها المحتل الإماراتي، ولعل أبرزها موجة الاغتيالات التي استهدفت القيادات السياسية والدينية والعسكرية الجنوبية الحية التي ترفض التبعية والاحتلال الإماراتي للجنوب.
لم يعتبر الرئيس الشهيد الجنوبيين المغرر بهم من قبل تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي الذين يقاتلون في صفوف المحتل أعداءً، بل اعتبرهم ضحايا لظروف اقتصادية ومعيشية وتعبئة خاطئة ضد رجال الجيش واللجان الشعبية، فقدم النصح لهم في أكثر من مرة، مطالباً المغرر بهم من أبناء الجنوب الذين يقودهم العدوان إلى محارق الموت في ميدي وفي محور علب وفي عسير ونجران وجيزان وفي الساحل الغربي، في العودة إلى رشدهم ومراجعة مواقفهم والمحافظة على ما تبقى من رجال الجنوب الذين يساقون إلى محارق الموت في معارك الشمال بعيداً عن القضية الجنوبية وبعيداً عن مصلحة الجنوب وأهله، مشيراً في خطابه الشهير في الذكرى الثانية للعدوان والصمود إلى أن العدوان يفرغ المحافظات الجنوبية من رجالها الأشداء ليدفع بهم إلى معارك مهلكة، ليفرغ المحافظات الجنوبية للقاعدة وداعش ومن وراءهم الأمريكان، وبكل أخوية أبدى الرئيس الشهيد إنقاذ أولئك الجحافل التي تساق اليوم إلى محرقة الموت في الساحل الغربي، ومن العبارات التي ستظل محفورة في ذاكرة التاريخ خاطب الرئيس الشهيد أبناء الجنوب الذي يقاتلون في صف العدوان بالقول “نحن إخوتكم سنفتح لكم صدرونا ونمد لكم أيدينا لاستنقاذكم من مخالب هذا العدو المجرم الذي لم ولن يقدر تضحياتكم ولم يقاتل من أجلكم بل جعلكم مطية لتحقيق أهدافه الدنيئة”.
وبذات الاهتمام منح جبهات الجنوب التي يسطر فيها رجال الرجال بطولات أسطورية ضد الغزاة ويقدمون التضحيات الجسيمة في سبيل تحرير الجنوب من دنس الغزاة في مختلف جبهات محافظة لحج أو في الساحل الغربي، اهتماماً واسعاً معززاً صمود رجال الجيش واللجان الشعبية في تلك الجبهات.
لقد أرهب الرئيس الشهيد المحتل الإماراتي بتعاطيه الإيجابي مع القضية الجنوبية، وتعامله الأخوي والإنساني والوطني مع الجنوب بقضاياه المتراكمة وتحديداً ما خلفته حرب صيف عام 1994م من مظالم وما صنعته من معاناة بسبب انفراد سلطة 7/7 بالحكم، وتعمدها إقصاء عشرات الآلاف من الجنوبين من أعمالهم وانتهكت حقوقهم، واستخدمت القوة لتكميم الأفواه، يضاف إلى تعامل الصماد مع الاحتلال الحالي الذي يعانيه الجنوب كقضية هامة ومحورية، واعتبر تحرير الجنوب من المحتل الأجنبي أولوية وطنية من أولويات المجلس السياسي الأعلى لتحرير الجنوب من الغزاة، وتطهيره من دنس المحتلين التزام أخلاقي وديني وقيمي ووطني على المجلس السياسي الأعلى طال الوقت أم قصر.
أكرر القول لقد خسرت اليمن برمّتها أنبل رجالاتها برحيل الشهيد الصماد، ولكننا ندرك أن الثقافة والإدراك والمسؤولية والوفاء والجد في التعاطي مع مختلف القضايا والشعور الوطني بالمسؤولية لم تكن ثقافة الرئيس الشهيد وحسب، بل إن الرئيس الشهيد كان نموذجاً حياً لمشروع الحاضر والمستقبل مشروع المسيرة القرآنية الذي جاء لنصرة المستضعفين في كل بقاع هذه الأرض، هذا المشروع الذي قدم الرئيس الشهيد صالح الصماد، يقدم اليوم الرئيس المشاط الذي حمل الأمانة والمسؤولية وها هو يواصل مسيرة الرئيس الشهيد الصماد، بذات النهج وبنفس الهمة.
سلام على الرئيس الشهيد صالح على الصماد وسلام على كل شهدائنا الأبرار.