تواصل دول التحالف السعودي الإماراتي الأمريكي، بالإضافة إلى سبع دول بصورة ممنهجة حربها الشرسة على كل من هو إعلامي أو صحفي داخل أراضي الجمهورية اليمنية، بهدف إخراس صوت الحقيقة، وإغماض عيون العالم عن كشف واقع الجرائم التي ترتكب ليلاً ونهاراً بحق اليمن أرضاً وإنساناً.
فمنذ انطلاق العمليات العسكرية وعلى مدى أكثر من أربع سنوات ارتكبت دول التحالف عشرات الجرائم بحق الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات والمنشآت الإعلامية ،وقد رصد اتحاد الإعلاميين اليمنيين ووثق (43) جريمة أسفرت عن استشهاد (243) صحفياً وإعلامياً، وجرح (22) آخرين، بالإضافة إلى قصف وتدمير (21) منشأة ومؤسسة إعلامية، وقصف وتدمير (30) مركزاً للبث الإذاعي والتلفزيوني، ولعلَّ آخر الجرائم البشعة التي اقترفها تحالف العدوان على اليمن- والتي نحن بصدد الحديث عنها هنا- جريمة استهداف منزل الأستاذ عبدالله صبري- رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين – والتي أسفرت عن استشهاد نجليه ووالدته، وإصابته هو ونجله الأكبر ووالديه بالإضافة إلى استشهاد 4 أطفال وإصابة ما يزيد عن 68 مدنياً تضرروا نتيجة الاستهداف الذي تجاوزت أضراره المنازل المجاورة.
لم تراع دول التحالف أي إجراءات قياسية في عملياتها الجوية، منتهكةً بذلك كل القوانين والاتفاقيات الدولية التي كفلت الحماية المطلقة للمدنيين والصحفيين والإعلاميين أثناء النزاعات المسلحة والحروب، ونظراً للأرقام والاحصائات المهولة لهذه الجرائم والتي تجاوزت أرقام وإحصائات الضحايا الصحفيين والإعلاميين في العراق إبان حرب مارس 2003م التي قيل إنها أشد الحروب خطراً على الصحفيين في التاريخ الحديث، يتضح وبما لا يدع مجالاً للشك أنها تأتي في إطار ممنهج ومتعمَّد وتؤكد على أنها ضمن بنك الأهداف لطيران التحالف وليست استهدافاً عن طريق الخطأ، كما تبرر وسائل الإعلام التابعة لدول التحالف.
وفي ورقة العمل هذه سيتم توضيح الوضع القانوني وإجراءات الحماية التي كفلتها الاتفاقات الدولية للصحفيين والإعلاميين بشكل مختصر ،والإجابة على تساؤلات مفترضة حول الرأي القانوني في الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها دول التحالف بحق الصحفيين والإعلاميين والإعلام اليمني، بالإضافة إلى استعراض القانون الدولي النافذ بشأن جريمة استهداف منزل رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين.
ما نوع الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني للصحفيين والعاملين في مجال الإعلام؟
يمكن أن يتولَّد لدينا الانطباع منذ الوهلة الأولى بأن القانون الدولي الإنساني لا يكفل حماية كاملة للصحفيين؛ لأن اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية الملحقة لا تتضمن إلا إشارتين صريحتين بخصوص الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، ،وهما المادة (4) (أ – 4) من اتفاقية جنيف الثالثة والمادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول لكن عند قراءة هاتين المادتين بالموازاة مع قواعد إنسانية أخرى يتضح أن الحماية الممنوحة بموجب القانون الساري شاملة تماماً، والأهم من ذلك أن المادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول تنص على أن “الصحفيين يتمتعون بجميع الحقوق وأشكال الحماية الممنوحة للمدنيين في النزاعات المسلحة الدولية”. وينطبق الشيء نفسه على حالات النزاع غير المسلح بمقتضى القانون الدولي العرفي (القاعدة 34 في دراسة اللجنة الدولية للقانون الدولي الإنساني العرفي).
بالتالي، ومن أجل إدراك نطاق الحماية التي يخولها القانون الدولي الإنساني للصحفيين إدراكا تاماً ينبغي استبدال لفظ ” صحفي ” بلفظ ” مدني ” اعتباراً من الصيغة المستخدمة في اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين.
هل ترقى الهجمات الموجهة ضد الصحفيين في النزاعات المسلحة إلى جرائم حرب؟
يتمتع الصحفيون -بحكم وضعهم كمدنيين- بحماية القانون الدولي الإنساني من الهجمات المباشرة شريطة ألا يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية.
وتشكل أي مخالفة لهذه القاعدة انتهاكاً خطيرا لاتفاقيات جنيف وبروتوكولها الإضافي الأول، فضلاً عن أن التعمد في توجيه هجوم مباشر ضد شخص مدني يرقى أيضا إلى جريمة حرب بمقتضى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
هل تتمتع محطات الإذاعة والتلفزة والمنشآت الإعلامية بحماية خاصة من الهجمات؟
لا تعد محطات التلفزة والإذاعة المدنية أهدافاً مشروعة فقط إلا إذا استوفت معيار الهدف العسكري المشروع، أي إذا تم استخدامها بطريقة تجعلها تمثل “إسهاماً فعَّالاً للعمل العسكري” وإذا كان تدميرها في الظروف السائدة وقت الهجوم يوفر “ميزة عسكرية أكيدة”.
وعلى سبيل المثال: قد تتحول مرافق البث إلى أهداف عسكرية إذا تم استخدامها في إرسال أوامر عسكرية أو إذا استخدمت بشكل حقيقي لفائدة العمليات العسكرية كتحويلها مراكز بث للاتصالات العسكرية، لكن لا تصبح مرافق البث المدنية أهدافاً عسكرية مشروعة لمجرد أنها تبث دعاية أو خطاباً موجهاً ضد أحد الأطراف المشاركة في الحرب، ومن غير القانوني مهاجمة المرافق التي تقتصر على تشكيل الرأي العام المدني، فهذه المنشآت لا تسهم بشكل مباشر في العمليات العسكرية.
وإذا أصبحت مرافق البث أهدافاً عسكرية مشروعة لأنها مستخدمة في بث الاتصالات العسكرية، فإن مبدأ التناسب في الهجوم واجب الاحترام، يعني هذا أن على القوات المهاجمة أن تتحقق في كل الأوقات من أن المخاطر اللاحقة بالسكان المدنيين جراء شن أي هجوم لا تزيد عن الميزة العسكرية المتوقعة، ويجب أن تتخذ احتياطات خاصة مع المباني في المناطق الحضرية، بما يشمل تقديم تحذير مسبق بالهجمات الوشيكة.
القانون الدولي النافذ بشأن جريمة استهداف منزل رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين
أولاً: القانون الإنساني الدولي
معروفٌ أن اليمن من الدول الأطراف في الصكوك والاتفاقيات الرئيسية المتعلقة بالقانون الإنساني الدولي، أي اتفاقيات جنيف الأربع لعام (1949م) وبروتوكولها الإضافي بشأن حماية ضحايا النزاعات المسلحة.
ويتضمن القانون الإنساني الدولي القواعد والمبادئ التي تهدف إلى توفير الحماية بشكل رئيسي للأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية، أي المدنيين بشكل عام ومن ضمنهم الصحفيين والعاملين في المؤسسات الإعلامية، ويطبق هذا القانون في أوضاع النزاعات المسلحة فقط، وتُعد قواعده ملزمةً لجميع أطراف النزاع سواء أكانت دولاً أم جماعات مسلحة غير منضوية تحت لواء دولة أو دول.
وتقتضي إحدى القواعد الأساسية في القانون الإنساني الدولي وجوب حرص جميع الأطراف على الدوام “على التمييز بين المدنيين والمقاتلين” خصوصاً على صعيد “حصر توجيه الهجمات ضد المقاتلين فقط” وعدم جواز توجيهها نحو المدنيين أبدا.
كما تقتضي قاعدة مشابهة التمييز بين “الأعيان المدنية” و”الأهداف العسكرية”، وتشكل هاتان القاعدتان جزءا لا يتجزأ من أحد المبادئ الأساسية، ألا وهو مبدأ التمييز.
ويشكل تعمُّد توجيه الهجمات نحو المدنيين ومن ضمنهم الصحفيين والإعلاميين الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية بشكل مباشر أو ضد الأعيان المدنية إحدى جرائم الحرب، بحسب ما ورد في دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر القاعدة (156)، والبند (1 – 2 -4 – 12) من المادة (8) من نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، والبند الرابع من الفقرة (أ) من المادة (51) من البرتوكول الإضافي الأول في اتفاقيات جنيف الأربع.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الهجمات التي تشنها أي قوات حكومية والجماعات المسلحة مع علمها المسبق بأنها سوف توقع خسائر فادحة في الأرواح بين المدنيين وتتسبب في دمار واسع للأعيان المدنية تشكل انتهاكاً صارخاً للحظر المفروض على شن الهجمات العشوائية وترقى إلى مصاف جرائم الحرب، وعليه:
فإن المبادرة بقصف مناطق سكنية لا يوجد فيها مقاتلون أو جنود أو منشآت عسكرية يشكل هجوماً مباشراً ضد المدنيين وجريمة من جرائم الحرب، وذلك بحسب دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر القاعدة (22).
ثانياً: القانون الجنائي الدولي
يرسي القانون الجنائي الدولي قواعد تحديد المسؤولية الجنائية الفردية المتعلقة بارتكاب بعض أشكال انتهاك أحكام القانون الإنساني الدولي والانتهاكات الخطيرة والجسيمة لحقوق الإنسان من قبيل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة العرقية وغيرها من الجرائم الجسيمة.
ويجوز ملاحقة الأفراد مدنيين كانوا أو عسكريين على خلفية مسؤوليتهم الجنائية عن ارتكاب بعض أشكال انتهاك حقوق الإنسان القانون الإنساني الدولي، وينص القانون الدولي على وجوب التحقيق مع مرتكبي الجرائم التي يعاقب عليها وملاحقتهم جنائياً، وهو ما ينسحب على مرتكبي الانتهاكات الخطيرة والجسيمة لحقوق الإنسان.
كما أصبح الحظر المفروض على ارتكاب جرائم الإبادة العرقية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب جزءا من قواعد القانون الدولي العرفي، بل أصبحت بعض أحكامه بمثابة قواعد وأحكام آمرة، وثمة واجبات تترتب تجاه الغير تلزم جميع الدول بمحاكمة من يُشتبه في مسؤوليتهم الجنائية عن ارتكاب تلك الجرائم، وذلك بحسب دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بشأن القانون الإنساني الدولي العرفي، القاعدتان (157) و(158).
وخلاصةً لما سبق، فإننا نصل إلى حقيقة مفادها أن القوانين والاتفاقيات والعهود الدولية قد كفلت حماية كافية للمدنيين ،ومن ضمنهم الصحفيون، فهي تشكل قاعدة متينة وواقعية لحماية الإعلاميين من التعرض للاستهداف أثناء أي نزاع مسلح، ولا يبرز القصور الخطير الذي يشوب الحماية في نقص القواعد ذات الصلة بل في الإخفاق في تنفيذ القواعد السارية والتحقيق بصورة منتظمة في الانتهاكات وملاحقة مرتكبيها ومعاقبتهم.
*ورقة عمل قُدمت إلى ندوة حول “تحالف العدوان يستهدف المؤسسات الإعلامية والإعلاميين اليمنيين .. الصحافي عبدالله صبري أنموذجاً”.. بتاريخ 13يوليو 2019