وقـفة نقدية مع محـور المصالحة الـوطنية في رؤية بناء الدولة
Share
كتب رئيس الاتحاد / عبد الله صبري
خلفية تاريخية
عرفت اليمن أولى تجارب المصالحة بين الفرقاء السياسيين مع انتهاء حرب الدفاع عن الجمهورية خلال ستينات القرن الماضي، وانسحاب القوات المصرية إثر نكسة 1967م، ما جعل للسعودية اليد الطولى في اليمن. وقد قضت المصالحة بالشراكة في إدارة دولة الجمهورية الوليدة بين الطرفين المتحاربين الجمهوري والملكي مع استبعاد أسرة بيت حميد الدين التي حكمت اليمن قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م.
وأيا كانت الملاحظات على تلك التجربة، إلا أنها وضعت حدا للحرب الداخلية المسنودة من الخارج، ومنحت الجمهورية والدولة فرصة تضميد الجراح مع التفرغ للبناء والتنمية وتوطيد مكانة اليمن الدولية، بعد أن عزلتها الحرب لبضع سنوات توشحت بالسواد والدماء.
وفي جنوب البلاد وقبل إعلان الوحدة بين الشطرين شهدت عدن عام 1986م مذبحة دامية عرفت بأحداث يناير المشؤومة، وانقسم الرفاق الاشتراكيون إثرها إلى طغمة وزمرة، وخلفت الأحداث جرحا نازفا لم يجد بلسما شافيا إلا بقيام الجمهورية اليمنية، حيث كانت الوحدة اليمنية هدفا كبيرا وساميا أثلج صدور اليمنيين بتحققه على أرض الواقع وبالطريقة السلمية والحضارية أيضاً.
إلا أن حرب صيف 1994م بين شركاء دولة الوحدة، والتي أفضت إلى الانتصار العسكري لطرف الشمال ممثلا في حزبي المؤتمر الشعبي والإصلاح، جدد أحزان أبناء الجنوب الذين رأوا أن واقع الشراكة بعد 1994م قد اتخذ شكل الضم والإلحاق خصوصاً أن الحزب الاشتراكي لم يتعاف من آثار تلك الحرب، ما جعل شكل المعارضة للنظام الحاكم يتخذ الطابع الشعبي، وهكذا ظهر الحراك الجنوبي في 2007م، وبرزت المطالب الحقوقية والسياسية كعنوان للقضية الجنوبية.
وبالطبع ما كان بإمكان فرقاء الأمس أن يتوحدوا من جديد إلا بعد إعلان التصالح والتسامح فيما بينهم من خلال لقاءات ومؤتمرات شعبية أكدت على طي صفحة الماضي والاتحاد من أجل الحاضر والمستقبل.
غير أن اليمن شهدت في 2011م حدثا كبيرا مع انتفاضة الشباب المواكبة لما يعرف بالربيع العربي، والتي وضعت حدا لسلطة ونظام علي صالح وكادت أن تعصف ببقية أركان سلطته لولا التدخل السعودي الخليجي الضاغط، وتوقيع الفرقاء السياسيين على المبادرة الخليجية التي سمحت بتقاسم السلطة بين طرفي المؤتمر الشعبي العام وحلفائه من جهة واللقاء المشترك وشركائه من جهة أخرى، وقد بدا هذا التقاسم نوعا من التصالح المبكر الذي وضع حدا لحراك 11 فبراير وعطل مفاعيله، بانتظار نتائج ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
وكان واضحا أن الأطراف التي تصالحت قد أدارت ظهرها لبقية القوى الفاعلة في المشهدين السياسي والثوري، الأمر الذي حال دون الاستقرار المنشود، ودفع بحركة أنصار الله إلى الانتفاضة مجددا والسيطرة على صنعاء في 21 سبتمبر 2014م، لتدخل اليمن فصلا جديدا من الصراع الداخلي والعدوان الخارجي في نفس الوقت، فقد أعلنت السعودية في 26 مارس 2015م عن تحالف عسكري تحت ذريعة استعادة الشرعية، والحؤول دون التمدد الإيراني في اليمن والمنطقة.
انقسمت الأحزاب والقوى الفاعلة اليمنية، فأعلن بعضها الاصطفاف الوطني في مواجهة العدوان، بينما امتطى البعض صهوة الخيانة ملتحقا بركب المرتزقة في الرياض. وقد حال هذا الانقسام غير المسبوق دون الحسم العسكري لصالح أي طرف، وبرغم الصمود الشعبي طوال خمس سنوات تقريبا في مواجهة العدوان والحرب الاقتصادية وتداعياتهما إلا أن حتمية السلام والمصالحة والحاجة لتجاوز دورة العنف ومنطق الغلبة والثأر بين مختلف الفرقاء تفرض نفسها أمام كل عاقل يروم يمنا موحدا مستقرا ومستقلا ومتعافياً من الأزمات التي تعصف بالوحدة الوطنية والسلم الأهلي والاجتماعي.