الحروب الجرثومية.. بين المواجهة الدولية والقانون الدولي!
Share
بقلم – د. علي مطر
عاد الحديث بعد انتشار فيروس “كورونا ـ كوفيد 19 ” الفتاك، عن استخدام الأسلحة الجرثومية ـ البيولوجية، وقد تمت الإشارة من قبل جهات متعددة إلى تورط الإدارة الأمريكية في حرب بيولوجية جديدة تشن على دولتين معينتين وهما الصين وإيران، في حين لم يعد بالإمكان السيطرة على انتشار الفيروس الذي أصاب دول العالم وأدى إلى سقوط الآلاف بين موتى ومصابين، في ظل ترهل دول عدة لم تعد قادرة على السيطرة عليه.
يعرف السلاح البيولوجي إلى جانب السلاح الكيميائي بأنه أحد أشكال أسلحة الدمار الشامل غير التقليدية التي شهدها التاريخ، وهو سلاح فتاك تستخدمه دول من أجل نشر الأوبئة والجراثيم للقضاء على أكبر قدر ممكن من السكان والبيئة، خاصةً في ظل الحروب المستعرة للسيطرة على النظام الدولي، سواء من خلال الحروب العسكرية المباشرة أو أي أنواع أخرى منها، مثل تلك الباردة التي نشهدها بين الولايات المتحدة والصين، والتي حذر منها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، قائلاً إن الولايات المتحدة والصين على “شفا حرب باردة”، وهو الذي قال يوماً إن “الحروب التقليدية قد انتهت وأتت الحروب الفيروسية”.
وتستخدم هذه الأسلحة الفتاكة بشكل دائم دون أي التزام بما ينص عليه القانون الدولي الذي يحظر استخدامها، لا بل تتنافس الدول على امتلاك الأسلحة البيولوجية وقد تستخدم في المستقبل بديلا عن القنابل النووية، وعادة ما تستخدمها لأسباب سياسية أو أمنية أو اقتصادية.
أولاً: استخدامات الأسلحة الجرثومية
استخدمت الأسلحة الجرثومية كوسيلة لإخضاع الدول والأمم المعادية منذ الزمن الغابر، فقد كان الرومان يلقون بالجثث في الآبار لتسميم المياه، واستخدم التتار المقاليع ليقذفوا بجثث مصابة بالطاعون إلى داخل بلدة (كافا) التي كانوا يحاصرونها وكانت ترفض الاستسلام. ويعزو العديد من المؤرخين انتشار الطاعون إلى هذه الحادثة. ومن المعروف أن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، متشابهة في مفعولها النهائي، ولكنها تختلف عن بعضها البعض اختلافاً جوهرياً في الأداء وفي التصنيف.
وفي حين تنقل الأسلحة الكيميائية عن طريق تأثيرها السام والمباشر على الجسم البشري بأجهزته الحيوية المختلفة، وهي تبقى في أماكن استخدامها لساعات أو أسابيع وبعد ذلك يخف مفعولها إلى أن تصبح عديمة التأثير، فإن الأسلحة البيولوجية هي أنواع من البكتيريا أو الفيروسات، مصممة للفتك بالإنسان أو الحيوان أو النبات، وهي تصل إلى الإنسان عن طريق الهواء أو الطعام أو الماء أو الحقن، وبعد التعرض لها تكون هناك فترة حضانة تتكاثر خلالها، وعندئذ يمكن أن تنتشر العدوى.
صحيح أن الجيوش العسكرية تفضل استخدام الأسلحة الكيميائية في الحروب، لأن مفعولها أسرع من مفعول الأسلحة الجرثومية، إلا أنها في حال عدم القدرة على استخدام السلاح الكيميائي تلجأ إلى السلاح البيولوجي الذي يترك بصمة الاستخدام عادة، وليس بحاجة إلى معركة عسكرية لاستخدامه، فهو ينتشر عبر العدوى، خاصةً أنها قد تخرج عن نطاق السيطرة، ومع الفوارق بين السلاحين الفتاكين، إلا أنه خلال الحروب التي وقعت سابقاً كان دائماً ما يتم استخدام السلاح الكيميائي، حيث بلغت التجارب الكيميائية ذروتها إبان الحرب الباردة، بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، فكانت النتيجة أن خزنت واشنطن ما لا يقل عن ثلاثين ألف طن من الأسلحة الكيميائية، مقابل ما لا يقل عن أربعين ألف طن في الجانب السوفيتي، وهو أكبر مخزون في العالم على الإطلاق، ومن ثم فُتِحَ الباب على مصراعيه، واتجهت العديد من دول العالم الثالث إلى هذا المجال.
ثانياً: ما هي أخطر الفيروسات والغازات؟
ومن أخطر الأسلحة الكيميائية والجرثومية الموجودة والتي استخدمت، نشير إلى الجمرة الخبيثة التي تتراوح فترة حضانتها بين يومين وأسبوعين وهي تفتك بثمانين في المائة من ضحاياها الذين تدخل أجسادهم عن طريق الفم أو الجهاز التنفسي.
وهناك الطاعون (فليج) وهو مرض لا يزال منتشراً في العالم، يدخل إنتاجه مخبرياً، يفتك بعشرة في المائة من المصابين به، وكذلك هناك فيرة “بوتش لينل توكسين” وهي الجراثيم الفتاكة الموجودة في الطعام المتسمم، يدخل انتاج هذا السم مخبرياً، ويدخل الجسد عن طريق العين أو الرئتين أو الجهاز المعوي، يقتل بعد فترة تتراوح بين ثلاثة وثمانية أيام.
وهناك الكثير من الفيروسات التي تستخدم وتنشر في سبيل الحروب بين الدول، ومنها ايضاً (كروسترين برفيرجين) وهي بكتيريا وهي أحد أسباب تسمم الطعام، تنتج بذيرات تعيش في التربة وتنتج غرغرينا الغاز الذي يتسرب إلى الجروح المفتوحة ويصيب بالأورام فالصدمة الجسدية فاليرقان فالوفاة، (ساكيلوكوكن انتروتوكسين جي) ينتج عن البكتيريا العنقودية البرتقالية، عوارضه تشبه تسمم الطعام، فتاك إذا اقترن بجفاف الجسد، وغيرها العديد من الفيروسات الخطيرة التي تستخدم في سياق تطويع الخصوم.
أما في السلاح الكيميائي فهناك مثلاً غاز السارين “sarin” يهاجم الجهاز العصبي، يدخل الجسد عن طريق الجهاز التنفسي أو في درجات الحرارة المرتفعة عن طريق الجلد، يقتل خلال دقائق أو ساعات، وغاز الخردل mustard gas) ) يهاجم الجلد والجهاز التنفسي والأغشية المخاطية، يصيب بحروق وتقرُّحات ويؤدي إلى العمى، يبدأ بالفتك بعد نحو أربعٍ وعشرين ساعة من التعرض له، وغيرها الكثير من هذه الأسلحة.
ثالثاً: اتفاقيات دولية تحظر هذه الأسلحة
هناك اتفاقيتان دوليتان في مجال التسلح الكيميائي والبيولوجي، وهما معاهدة الأسلحة البيولوجية والسامة، والمعاهدة التي وقعت عام 1993م حول حظر الأسلحة الكيميائية، وترمي الثانية إلى إزالة فئة كاملة من أسلحة الدمار الشامل، وذلك من خلال حظر استحداث وإنتاج واحتياز وتخزين الأسلحة الكيميائية والاحتفاظ بها أو نقلها أو استعمالها من جانب الدول الأطراف. كما يجب على الدول الأطراف أن تتخذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحظر فيما يتعلق بالأشخاص (الطبيعيين أو الاعتباريين) في إطار ولايتها القضائية، وقد اتفقت كافة الدول الأطراف على نزع السلاح الكيميائي وذلك بتدمير كل ما قد تحوزه من المخزونات من الأسلحة الكيميائية ومرافق إنتاجها، وتدمير كل الأسلحة الكيميائية التي قد تكون خلّـفتها في الماضي على أراضي دول أطراف أخرى.
وفي ما يتعلق باتفاقية نزع الأسلحة البيولوجية التي سنركز أكثر عليها كونها ترتبط مباشرة بالفيروسات، فإنه في 10 أبريل 1972م، فتح باب التوقيع على اتفاقية الأسلحة البيولوجية، وهي أول معاهدة متعددة الأطراف لنزع السلاح تحظر استحداث وإنتاج وتخزين طائفة بكاملها من أسلحة الدمار الشامل، ودخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ في 26 مارس 1975م.
تعد الاتفاقية المتعلقة بحظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة الجرثومية البيولوجية والسموم وتدميرها من بين صكوك القانون الدولي الإنساني الرامية إلى تخفيف المعاناة الناجمة عن الحروب. وأدين استخدام الأسلحة الكيميائية والجرثومية على نطاق واسع منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، ثم حُظر في بروتوكول جنيف لعام 1925م، وهو صك سابق للاتفاقية، وقد نصت اللائحة المرفقة باتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907م في السابق على حظر استخدام السموم أو الأسلحة السامة كوسيلة من وسائل الحرب.
وتستند جميع هذه المحظورات إلى المبدأ الأساسي للقانون المتعلق بسير العمليات العدائية الذي ينص على أن حق أطراف النزاع في اختيار أساليب الحرب ووسائلها ليس حقاً مطلقًا، وتعتُمدَ الاتفاقية لغرض تحقيق تقدّم فعلي نحو نزع السلاح، واعتُبرت خطوة حاسمة في مجال حظر وإزالة أسلحة الدمار الشامل، والغاية النهائية من الاتفاقية، كما ورد في ديباجتها، هي الاستبعاد التام لإمكانية استخدام عوامل جرثومية بيولوجية أو مواد سامة كأسلحة.
وتنص المادة الأولى من اتفاقية 1972م لحظر الأسلحة البيولوجية على أنها تمتدح ” اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية، وتدمير هذه الأسلحة ” المرفق نصها بهذا القرار، إلا أن الاتفاقية ليست فيها صفة الالزام، وقد حاولت من خلال بروتوكولها أن تعالج هذه الإشكالية إلا أن هناك دولاً لم توقع عليها كالولايات المتحدة الأمريكية، ويقول البروتوكول المرفق في المــادة الأولى “تتعهد كل دولة من الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بأن لا تعمد أبداً في أي ظرف من الظروف إلى استحداث أو إنتاج أو تخزين ما يلي، ولا اقتنائه أو حفظه على أي نحو آخر: العوامل الجرثومية أو العوامل البيولوجية الأخرى، أو التكسينات أياً كان منشؤها أو أسلوب إنتاجها من الأنواع وبالكميات التي لا تكون موجهة لأغراض الوقاية أو الحماية أو الأغراض السلمية الأخرى.
وتشير المــادة الثانية إلى أن كل دولة من الدول الأطراف في هذه الاتفاقية تتعهد بأن تقوم بتدمير جميع العوامل والتكسينات والأسلحة والمعدات ووسائل الإيصال المعينة في المادة الأولى من هذه الاتفاقية التي تكون في حوزتها أو خاضعة لولايتها أو رقابتها أو بتحويلها للاستعمال في الأغراض السلمية.
وفي المــادة الثالثة تتعهد كل دولة من الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بأن لا تحول إلى أي كان، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أياً من العوامل التكسينات أو الأسلحة أو المعدات أو وسائل الإيصال المعينة في المادة الأولى من هذه الاتفاقية، وبأن لا تقوم بأية طريقة كانت، بمساعدة أو تشجيع أو تحريض أية دولة أو مجموعة من الدول أو أية منظمة دولية على صنعها أو اقتنائها على أي نحو آخر.
ويعيد انتشار فيروس كورونا، والحديث عن وقوف الولايات المتحدة الأمريكية خلفه، الدعوة إلى ضرورة التقيد باتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية، والعمل مجدداً في إطار الأمم المتحدة للحفاظ على سلامة الأمن الصحي العالمي والأمن والسلم الدوليين، من خلال العمل على تفعيل إطارات دولية ومعاهدات واتفاقيات وإصدار قرارات ومراقبة العمل الجدي لمنع الحروب البيولوجية ومعاقبة مرتكبي نشر الفيروسات التي تعد جريمة دولية تنتهك معايير القانون الدولي على كافة الصعد، وإلا فإن تفلتَ هذا الأمر والانتقال إلى الحروب البيولوجية مباشرة، سيؤدي إلى كارثة بشرية كبرى.