حينما أسير في الشوارع، وأشاهد صور الشهداء معلقة، يتعلق قلبي بشدة، متأملا جمال وجوههم، وبهاء نظراتهم، ونقاء سريرتهم، وبودِّي أن أصيح في وجه كُـلّ شابٍ متسكع، وشابة متزينة، وسائق مستهتر، ومسؤول متعجرف.. أصيح في وجوههم جميعًا:
أنتم لا شيء لولا هؤلاء المعلقة صورهم!
أنتم بلا قيمة لولا هؤلاء الشامخة أنفسهم!
أنتم بلا وطن لولا هؤلاء الوطنيون!
أنتم بلا أمن لولا هؤلاء المخلصون!
أنتم بلا هُـوِيَّة لولا هؤلاء الفدائيون!
أنتم بلا كيان لولا هؤلاء الفائزون!
لو كان القرار بيدي لوضعت أحذية الشهداء، على أبوابِ الوزارات، وفي مكاتبِ الوزراء والمسؤولين، وفي أقفاصٍ من زُجاجٍ فاخرٍ وسميك على أبواب الأسواق، والمدارس والجامعات؛ ليعلم الجميعُ أننا بدونهم لا شيء، وأن الوطن بدونهم لا وطن!
لم تكن ولن تكونَ ذكرى الشهيد سنوية، بل ذكراهم يومية، بل في كُـلّ وقت وحين!
إن ذكرى شهادتهم يجبُ أن تُحفَرَ في أسماءِ المدارس والشوارع والمستشفيات والجامعات..
يجبُ أن تُدرّسَ قصصُهم لذلك الجيل المتراخي في كُـلّ مدرسة وجامعة ومعهد!
إن حياةَ وجهادَ ومماتَ أُولئك العظماء يشكل منهجًا متكاملًا، لو قدمناه لأُولئك الذين ما عرفوا الجبهات، ولا التحقوا بدروس البطولات!
إن أعظمَ واجب نقدمُه نحو الشهداء هو أن نجعلَ سيرتَهم واجبةَ القراءة في كُـلّ مكان تقلب فيه صفحات الكتب.
وأن ننحنيَ أمام أسرهم خجلاً وحياءً ورحمةً وعوناً ومدداً!
كم وددت أن يكونَ لكل ذكرى لفتةٌ جديدة، وبصمة أكيدة، نحو أسر الشهداء العظماء، عام بتوزيع قطعة أرض، وتارةً بتوزيع وظائف مناسبة، وتارة بتوزيع مقاعد دراسية حقيقية لا وهمية!
سيقول قائل: نحن في أزمة سيولة يا مصباح، وفي حربٍ كونيةٍ، وهذا مرهقٌ جدًا!
ولكني أقول عن علم ودراية: إننا لو وضعنا أيدينا بأيدي أُولئك الشهداء الأحياء، وقمنا بمصادرة عقارات وأموال وتجارة المرتزِقة؛ لملأنا الخزينةَ بفيضان من الريالات، وأنجزنا وعودَ الشهداء في الجبهات وفي الساحات.
السلام عليكم أيها الشهداء السلام عليكم أيها الجرحى أنتم الشهداء الأحياء، وعلى دماكم وأعضائكم الطاهرة التي فقدموها في سبيل الله، وعلى رفقائكم الأخيار، وعلى كُـلّ أسرة قدمت لبنةً في مدماك النصر، والسلام على قائد المؤمنين وعَلَمِ المخلصين، وعلى رجاله الأوفياء في البر والبحر والجو.