البحرين و”إسرائيل” تتفقان على تعاون أمني، خلال زيارة وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس للبحرين، يُعدّ امتداداً لاتفاقية التطبيع التي وُقّعت قبل أكثر من عام بين المنامة وتل أبيب، ويمثّل خطوة غير مسبوقة لاتفاق عسكري مثير للجدل بشأن الاختراق الإسرائيلي الرسمي لمنطقة الخليج عبر توقيع اتفاقيات أمنية وعسكرية كهذه، وأهدافها ودلالاتها وتبعاتها على المنطقة ستكون كبيرة، ولا سيما تجاه إيران وحليفاتها على وجه الخصوص.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية كشفت بوضوح أن توقيع البحرين و”إسرائيل” اتفاقاً أمنياً يشمل تخصيص ميناء بحري بهدف استخدامه كقاعدة عمل لسلاح البحرية الإسرائيلية في مواجهة إيران، بشراكة أميركية، إضافة إلى تحقيق غايات وأهداف أخرى، على حدّ وصف الصحيفة، يضع تساؤلات عن دلالات هذه الخطوة وتبعاتها.
مثل هذه التسريبات الصادرة عن الصحيفة الإسرائيلية تأتي تزامناً مع مناورات عسكرية هي الأكبر من نوعها، تشارك فيها “إسرائيل”، بالتزامن مع ما كشفه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت، قبل أسابيع، عن أن حملة إضعاف إيران قد بدأت، وستشمل مجالات متعددة، منها مجالات نووية واقتصادية وسيبرانية وعمليات علنية وسرية ستقوم بها “إسرائيل” وحدها أو بالتعاون مع جهات أخرى.
لماذا البحرين هي من وقّعت هذه الاتفاقية لا الإمارات؟ الصورة الحقيقية أكبر من اتفاقية أمنية بين البحرين و”إسرائيل”. فمنذ توقيع اتفاقيات التطبيع، بات واضحاً أن الهدف الاستراتيجي من وراء هذه الاتفاقيات هو إنشاء تحالف عسكري بين “إسرائيل” ودول خليجية لمجابهة إيران، وكانت الإمارات والبحرين الدولتين الأوليين المطبّعتين مع “إسرائيل”، لكن الثابت والمهم هو أن التطبيع الإسرائيلي البحريني لم يأتِ عبثاً، هو في الحقيقة تطبيع مع السعودية. كيف لا والسعودية نفسها هي التي دعمت هذا التحالف؟ بل هي جزءٌ لا يتجزّأ منه، حتى لو أنها لم تعلن الانخراط في التطبيع بطريقة رسمية مع “إسرائيل”؛ فدول مثل البحرين لا تستطيع الذهاب منفردة وحيدة في السياسة الخارجية بعيداً عن رؤية السعودية ورغباتها في مثل هذه الاتفاقيات.
تعمل “إسرائيل” في هذه المرحلة، ومن خلال تشكّل هذا التحالف الأمني والعسكري الإسرائيلي الخليجي، لتحقيق هدفين أساسيين:
الهدف الأول: الإحاطة بإيران ومحاصرتها عن قرب، والاقتراب أكثر من دول حليفة لها، مثل العراق واليمن، تشهد مواجهة ساخنة مع التحالف السعودي، وإيجاد موطئ قدم لها متمثّل في قاعدة إسرائيلية برعاية إماراتية سعودية، وهو تعبير عملي لا عن حاجة البحرين كدولة خليجية بقدر ما هو ترجمة عملية لحاجة هذا المحور إلى مثل هذا الوجود الإسرائيلي، ويندرج هذا في إطار صراع المحاور القائم بين محور إيران والمحور الخليجي الإسرائيلي في المنطقة.
الهدف الثاني: دخول “إسرائيل” في هذه الاتفاقية الأمنية مع البحرين يضع سيناريو مرجّحاً وبنحوٍ كبير مفاده أن دخول “إسرائيل” على خط المواجهة والحرب في اليمن بات مسألة وقت، وسيؤجّج المنطقة أكثر فأكثر، وهذا يُعدّ بمنزلة ترجمة عملية لتصريحات سابقة لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت وإعلانه عن توجّه “إسرائيل” لتقديم دعم لوجستي واستخباري للإمارات، وتزويدها بمنظومة جديدة تحت عنوان “دعم أصدقاء إسرائيل”، خاصة بعد تعرّضها للقصف عبر الصواريخ الباليستية والمسيّرات من قبل جماعة أنصار الله في اليمن.
لماذا البحرين؟
اختيار البحرين لتكون قاعدة إسرائيلية استخبارية وعسكرية تمثّل تهديداً لإيران وحليفاتها لم يأتِ عبثاً، بل جاء وفق رؤية سعودية إماراتية مدروسة، هي أن تمثّل المنامة الواجهة والمنطلق للإضرار بطهران بشكل مباشر بديلاً من الإمارات، نظراً إلى اعتبارات كثيرة، أهمها الاعتبارات الاقتصادية التي تربط الإمارات بطهران، فأي تهديد إسرائيلي يخرج من الإمارات كقاعدة تجاه طهران ستكون الإمارات أول الخاسرين في المعادلة، فضلاً عن التبعات العسكرية التي يمكن أن تمثّل مصدر تهديد للإمارات، لذلك سيبقى التعامل الإماراتي الإسرائيلي حذراً، كما أن الإمارات لن تستطيع أن تتجاوز الخطوط الحمر، وأن تمثّل قاعدة أو واجهة أمامية للإضرار بطهران بشكل مباشر.
وجود “إسرائيل” استخبارياً وعسكرياً في البحرين، وتعبيرها عن حالة الارتياح الكبيرة حيال الحضور بين دول خليجية، يهدفان إلى تغيير قواعد اللعبة وفرض نظام أمني جديد سيؤدي إلى تفاقم حدة الصراع والتوتر القائم بين المحور الإيراني من جهة، والمحور الإسرائيلي الخليجي من جهة أخرى، خلال المرحلة المقبلة، لكن السؤال الأهم في هذا المشهد الجديد، هل تسلّم إيران بهذا الواقع الجديد؟
في تقديري إيران لن تسلّم بمثل هذه المخاطر التي تهدّد أمنها وأمن حلفائها في المنطقة، ولا بهذا الواقع الذي ترنو إليه “إسرائيل” في منطقة الخليج، والشواهد ليست عنّا ببعيدة، وإشارات التحذير التي أطلقتها طهران قبل أكثر من عام تقريباً في ما عُرف بـحرب السفن أكبر دليل على ذلك.
صحيح أن الأبعاد العسكرية بعد الاتفاقية الأمنية الإسرائيلية البحرينية تمثّل مصدر قلق جديداً في منطقة الخليج، لكن الخطير في المشهد أيضاً هو حالة الارتياح الإسرائيلية التي عزّزتها دول التطبيع، وتنامي الوجود الإسرائيلي الاستخباري والتعاون الأمني وإنشاء محطات للتجسّس وإشعال الحرب السيبرانية مع طهران في المنظور القريب بحدة أكبر من الفترات السابقة، كلها تمثّل عوامل اضطراب للمنطقة، وهذا يفرض على إيران وحلفائها العمل على إفشال فرض معادلة التطبيع، ووضع زعزعة التغلغل الأمني والعسكري الإسرائيلي هدفاً دائماً مستمراً، بما يحقق ويضمن إفشال حالة التبعية والخنوع الخليجي لـ”إسرائيل”، الحالة التي مثّلت أرضية خصبة للتغول الإسرائيلي في الخليج ، ووقف الاستغلال الأميركي للمنطقة العربية على الصعد كافة.
لا شك في أن التطبيع الذي تمارسه الأنظمة العربية بشكله الفجّ يضرّ بأمن الخليج ومصالح الدول، لكن في الوقت ذاته لا بد من التأكيد أن الشعوب العربية ما زالت تلفظ كل اتفاقيات العار هذه مع “إسرائيل”، وهذا بات واضحاً منذ أن بدأت الهرولة العربية، لدول بعينها، لتوقيع اتفاقيات تطبيع رسمية مع “إسرائيل”، حيث ما زالت العواصم تعبّر بطرق مختلفة عن رفضها فرض التطبيع والتعايش مع كيان سرطاني اسمه “إسرائيل”.
الصورة في البحرين ستكون أدق، ولها خصوصية بعد هذه الاتفاقية أمام حالة الرفض القوية التي عبّرت عنها سابقاً وحالياً جمعية الوفاق البحرينية، وأكدت رفضها القاطع لزيارة وزير الأمن الإسرائيلي إلى البحرين، ووصفت السلوك البحريني بأنه نظام حكم مأزوم معزول شعبياً، لا يملك أي تفويض شعبي للقيام بمثل هذه الممارسات التطبيعية مع “إسرائيل”، وهو ما يضع سيناريو بدأت ملامحه تتّضح أكثر، أن الأوضاع الداخلية البحرينية ما بين الجهات الرافضة لمسلسل التطبيع والاتفاقات الأمنية وما بين النظام البحريني لن تكون هادئة أو مريحة إلى الحدّ الذي يراه النظام البحريني المطبّع مع “إسرائيل”، والذي سيكون واجهة لإحداث قلاقل وتوتر كبير في المنطقة خدمة للأجندة الإسرائيلية والمحور الخليجي المطبّع مع “إسرائيل”.