الأصل والوضع الطبيعي أن يسود السلام كل العالم وأن يكون ميثاق الأمم المتحدة أساساً قانونياً وأخلاقياً تحتكم إليه الشعوب والدول كوثيقة تجمع بين المسؤوليتين القانونية والأخلاقية، تعاهدت بموجبه الدول على وضع حد للحروب والصراعات والسعي لتحقيق السلام والعدل الدوليين ، فأي عهد أسمى من هذا العهد وإلى متى تظل العهود خاضعة للمزاج والمزاد في مجتمعات تحكمها العنصرية والكراهية والإرهاب المنظم ؟!
إنه السؤال الأصعب الذي تتطلب الإجابة عليه قدراً من البصيرة والإحساس بالمسؤولية تجاه المعاناة الإنسانية الناتجة عن الفجور والعتو في السباق على السلطة سواء باسم حقوق الإنسان أو باسم الدين أو بممارسة وصناعة الإرهاب وادعاء محاربته بهدف التدخل في شؤون الدول والتحكم بمصير العالم ، كما تتطلب تفحص أسباب تعثر تطبيق مبدأ المساواة بين الدول في التمتع بسيادتها واستقلالها بما يراعي مصالحها المشروعة ويوصل إلى آلية متفق عليها وملزمة للجميع لفض النزاعات المسلحة وإنهاء الحروب بعيداً عن الهيمنة والمعايير المزدوجة وبخاصة ما تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا ومن يدور في فلكها ممن يقف باستمرار مع الأنظمة الديكتاتورية والعنصرية ضد الشعوب ، ومع الظالمين ضد المظلومين والمستضعفين وإن ادعوا وتابعوهم وتابعو التابعين خلاف ذلك !، نعم هذه القوى المارقة تناصر وتدعم وبكل قوة ومكر أشد الأنظمة العنصرية فتكاً بالإنسان والإنسانية ومن الأمثلة الواضحة (الكيان الصهيوني) وأمثلة أخرى دول وكيانات تدعمها في الخفاء وتشجب ممارساتها في العلن لتحلبها كما صرح (ترامب) و(السعودية) مثال لهذا النوع من العلاقة المخادعة وغير السوية بين الأنظمة الديكتاتورية والعنصرية.
استخدمت الولايات المتحدة في دعم ممارسات (الكيان الصهيوني) في فلسطين حق النقض (الفيتو) ضد قرارات مجلس الأمن عشرات المرات أغلبها قرارات إدانة فقط لا تتضمن أي إجراء ضد جرائم قتل وتشريد واستيطان ونهب للممتلكات وحرق واقتلاع الأشجار وتجريف للهُوية الفلسطينية.
أما القضية الثانية التي استخدمت فيها الشرعية الدولية والإقليمية أقذر استخدام للاعتداء على الشرعية الوطنية فهي القضية اليمنية التي لا تقل مأساوية وفظاعة عن قضية فلسطين وتدخل في سياق نفس المخطط ، ويحضرني بالمناسبة ما قاله ياسر عرفات ذات يوم من أيام الاحتفاء بالوحدة السياسية عام 1990 التي أريد لها وبها ضرب حلم الوحدة الحقيقية في الصميم ، قال عرفات: إن فلسطين هي الشطر الثالث لليمن ليدمج العقل بالعاطفة في التعامل مع الوحدة التي تحولت من حلم شعبي جميل إلى كابوس رسمي قبيح ولعبة سياسية خطرة أدى فيها حكم الفرد دوراً سياسياً سيئاً تجلى من خلال سلسلة أحداث سرعان ما نقلت ممثلي مسرحية الوحدة من العناق إلى الخناق في حركة درامية بائسة لعبت فيها القوى السياسية دور المتفرج والمصفّق مقابل بعض الامتيازات والتسويات التافهة ، وتتابعت الأحداث والوقائع لتصل إلى انكشاف سلطة الفراغ كوظيفة مخجلة للمحسوبين حكاماً شرعيين ، وبلغ الحال ببعض التافهين إلى استجلاب أوقح عدوان عرفته الإنسانية ضد بلدهم أحداثه مستمرة حتى كتابة هذه الحروف الحزينة ، وفي اعتقادي أن العالم سوف لن يعرف أوقح من هذا العدوان الذي استباح تدمير كل حي يمشي على الأرض أغلق السموات والبحار في وجه كل يمني وكل من عادى شركاء العدوان والجريمة المنظمة المستخدمين زعماء يمثلون الشرعية المعترف بها من زعيم الشرعية العالمية (الولايات المتحدة الأمريكية) ونتيجة ذلك ما تشهده اليمن من تشظٍ مادي ومعنوي ، سبع سنوات من التدمير الممنهج والاحتلال الصهيوني الأمريكي البريطاني لأهم جزر اليمن وسواحله التي تمتد أكثر من ألفي كيلومتر في باب المندب والبحر الأحمر وجزيرة سوقطرى باستخدام علم السعودية والإمارات كعنوان ، وبعد كل هذا اتفقت الأطراف صاحبة المصلحة على نقل مسمى السلطة من الأرجوز المختار كرمز للشرعية الجمهورية المعلبة المهربة إلى المملكة إلى ثمانية منصّبين كأمراء حرب سمي مجلس القيادة الرئاسي ، أبرز أهدافه استمرار محاولة شرعنة تدخل السعودية والإمارات في اليمن وهما دولتان وظيفيتان تديرهما المخابرات الأمريكية البريطانية وتم فبركة وإخراج ذلك في عاصمة تحالف العدوان بعنوان تشاور الأطراف ، لا ندري أي أطراف ، إنها مسرحية هزلية تثير الغثيان لا وجود فيها حتى لمجرد نكهة أو رائحة لليمن المعني بالتقسيم والتقاسم ، وأول مهامه الميدانية التلاعب والمناورة بعواطف الناس بشأن الهدنة التي أعلن عنها لمدة شهرين تجددا لشهرين آخرين والحوار بشأن هدنة دائمة ، ومن الواضح حتى الآن أن تحالف العدوان هو المستفيد من حالة اللاسلم واللاحرب إن طالت بدون اتفاق سياسي ينهي احتلال اليمن ويحمل المعتدي تبعات عدوانه فهو يستغلها في تثبيت احتلاله لمناطق الثروة في مارب وشبوة وأطراف الجوف والسواحل والجزر والاستمرار في نهبها وتهجير أهلها.
لاشك أن السلام هدف وغاية كل شريف في هذا الوطن وفي العالم، ولكن السلام الذي ينهي معاناة الشعب ويبنى على اتفاقات واضحة وليس السلام المراوغ المبني على المتاجرة بالدماء والتلاعب بالوقت لإعادة ترتيب أوراق العدوان ورص صفوف أمراء الحرب ، هذه قراءة سريعة لبعض ما تصنعه أجهزة مخابرات الولايات المتحدة وبريطانيا وأدواتهما الإقليمية والمحلية الرخيصة ويدفع ثمنها الشعب اليمني من دمه وماله وكل ثرواته التي تؤهل اليمن – لولا كل هذا الجنون والغفول والتفاهة- لأن يكون بدون أي مبالغة من أغنى دول العالم!.