لن نقفُ على حدودٍ زمنية مضت، ولكن من فلكٍ آخر نستقرئ الصورة.
هي ثمان من سنواتٍ عجاف، أرادتها قوى الاستكبار لبلدنا ضمن كوة من المخطّط الغربي لضرب الأوسط الذي يحلمون، وصنع شرق أوسط جديد فيه انحدار البوصلة إليهم.
لا يخفى على ذي لب يوم أعلن السفير الحقير الجبير ذلك الإعلان المشؤوم من وسط عاصمة الاستكبار العالمي “عاصفة الموت” على الشعب اليمني، برز خلالها النظام المتهالك المتسعود في أبهى ملكه وجأش غطرسته، وقمة سلطانه، كانت تلك اللحظات شِقٌّ فارق بين ملامح جديدة، تصنع على مستوى الشقين الغربي المتحالف، واليمني المظلوم، شِقٌ برز فيه فراعنة عصرهم، وطرفٌ تجلَّت عليه العزة والتمسك بالله، والعودة إليه.
مثَّل الـ٢٦ من مارس لعام ٢٠١٥م، تاريخاً استثنائياً غير المفاهيم، وكشف الزيف، وتساقطت فيه أقنعة الولاء للشيطان الأكبر الأمريكي وربيبته الإسرائيلي، على مستوى أنظمة وحكومات تدعى عربية، وعلى مستوى شعوب منها، وفي الجانب الآخر جاء الفرز الداخلي لعدة تشكلات مجتمعية ونظامية وحزبية داخل شعبنا اليمني، فشاء الله أن تحصل عملية التقييم والفرز الإلهي، وهذا ما حصل بالفعل، خرج الغث، ليرفع علامات التأييد والرضا والقبول بهذا العدوان، وأن تقصف العاصمة اليمنية المقدسة صنعاء.
خرجوا يتهافتون كالذباب على قصعتها، كُـلٌّ يخلع أقنعة وأزياء الوطنية، الحرية، الديمقراطية، الانتماء للأرض والإنسان، فحشروا على أبواب عاصمة السوء الرياض، هنالك حدثت غربلة جماعية أحزاب، ومكونات، منهم اللحى الدينية، والبِزَّات العسكرية والسياسية ومنهم النساء والكثير.. هلُمَّ جُرًّا.
ثبت الصادقون وبقي الشعب، وجرت معركة الصبر والبصيرة، شعب وقائد وأمَّة، وخرج الشعب بعد ثمان من عدوان أهلك الحرث والنسل، خرج شامخاً منتصراً، انتصرت الإرادَة، وانتصرت وحدة الكلمة، انتصر التسليم، وانتصر التصديق بآيات الله، وخرجت عجول العدوان تجرُّ أذيال الهزيمة وَخيبة الذل، خرجوا كما جاءوا صاغرين.
استند الشعب إلى ربه وقائده، واستظل بنور الله والثقافة المباركة التي صنعت رجالاً لا يخشون في الله لومة لائم، مع بقاء الأصبع على الزُّناد، دخل الشعب في مرحلةٍ من الوعود الأممية، بعد سنوات من خوض حرب ضروس، وحين وجد العدوّ منشآته تتحرق وتغرق، سارع إلى إعلان الهُــدن والتي لم تنتج للشعب سوى الانتظار.
وحين لم يفض النقاش إلى حَـلّ وبقيت التواءات تهز ملفات الحوار الذي لم يرد لها العدوّ أن تستقر على أرضيةٍ من التوافق الذي مثلته قيادتنا وشرعت مرحبة بأية دعوى للحل دون المساس بالثوابت الوطنية السيادية والاقتصادية، وبما يحفظ للمواطن اليمني كرامته وعيشه الكريم في ظل التعنت الدولي والسعوديّ في صرف مرتبات موظفي الدولة بما فيها الجنوب المحتلّ، لتتعالى أصوات الأمم المتحدة ومبعوثها وسفراء غربيون إلى أن مطالب الشعب بحقه هو تطرف زائد على الاعتبار، في حين وأمام مرأى العالم تذهب الثروة اليمنية من الغاز والثروة السيادية إلى البنك الأهلي السعوديّ.
في هذه المرحلة التي ركن فيها العدوّ أنه لا سلم محقّق للمواطن اليمني، ولا كرامة مُصانة ولا ضربات يخاف على منشآته منها، بدأ في توجيه سخط الوضع إلى الداخل اليمني عبر كلمات إعلامية مسعورة، همهم تقبيل أحذية مرتزِقة العدوان، في خطوط التماس كان على الأحرار العودة للقيام، القيام الذي انتظره الشعب من جديد فبثورةٍ مُستمرّة، عاد الجندي للزناد والشاعر للقافية، والكاتب لقلمه والمُسيَّر لمهماته، والصواريخ الباليستية لضرباتها العاتية وسط المطارات وشريان العدوّ النفطي.
هَـا هو الشعب يكسر الحصار، والحصار حرب في مفهومها ودلالاتها، حرب يمس كُـلّ يمني، على مستوى كُـلّ فرد وأسرة إن خروج العاصمة صنعاء والمحافظات في المسيرات هو دلالة على الصحوة العاتية التي من خلالها سيكسر الحصار وتدفع المُرتبات، إن الوعي لدى المواطن اليمني اليوم كفيل أن يحرق رهانات العدوّ في ضرب الجبهة الداخلية عبر ذباب الطابور الخامس الذين غرهم في أمرهم ما كانوا يفترون.