عذراً أماه قد سمعتُكِ وأنتِ تنتحبين بكاءً لفقدي.. شعرتُ بنبض فؤادكِ الملهوفِ قهراً وأنتِ تحتضنين جسدي المبتور بين ذراعيكِ..
أماه عذراً.. لم أستطع أن أبادلكِ الوداع بعناقٍ واحتضان.. ولم أستطع تقبيل جبينك الطاهر قبل رحيلي الأليم عنكِ والدتي..
كان صاروخ القاتل أماه، أسرع من كل تلك المعاني المتدفقة بين حنين أمٍّ لطفلها، وكانت وحشية إجرامهم أقدر على انتزاعي من حضنك الدافئ يا والدتي الحبيبة..
أعلم أن فراقي إياكِ قد تسبب لكِ بآلام كثيرة وبحرقةٍ مريرة..
لكنه القتل غدرًا أماه الذي أراده طاغوت العصر لي… ولمئات أطفال فلسطين..
إنه الموت أماه….. من كان راحة لجراحي وآلامي الموجعة التي لم يستطع جسدي الصغير تحملها، بل لم أقوَا (أماه) على رؤية اشلائي التي قطعها السفاح بتلك الوحشية التي كان وقعها عليّ أكبر من أن يتحملها قلبي البريء..
فوا أسفاه أماه.. على طفولتي المذبوحة دونما بواكٍ عليها..
ويا أسفاه على الإنسانية المدفونة تحت ركام الفناء..
كان الفراق أماه رحمةً لأحزاني،
فقد آثرتُ الرحيل موتاً بعدما أماتني العدوان كمداً..
فلا تحزني أمي الحبيبة، وألتمس منك العذر لأني من كنت سبباً لأوجاعك المؤلمة..
صبراً أماه.. صبراً أماه.. إن الله مع الصابرين..
وداعًا يا فلذة القلب الحزين.. تودعكِ دموعي ، وتبكيكِ كل آهات الطفولة.. أودعكَ وكلي آلامٌ وجراحٌ مريرة.. كيف لي أن أقوى على فراقك صغيري يا مهجة القلب العليل..
أغمضتِ عينيك كمداً، ورنوت ببصرك بتوجعٍ وأنين، وصعدت بروحك الطاهرة إلى أعلى عليّين.. وبقي جسدك الصغير المذبوح ليوارى الثرى في عالمٍ قتلك ظلماً وعدواناً..
رحلت يا صغيري كفراشةٍ مجروحةٍ نحو السماء.. رحلتَ مسرعًا دونما أسفٍ على قبح هذا العالم الموحش الذي امتلأ جوراً وظلماً..
كان جسدك الطاهر المضرج بالدماء وصمة عارٍ في جبين هذا العالم المنافق.. وكانت جسدك المبتور بفعل صاروخهم الوحشي شاهدًا على مجزرةٍ كان هدفها البغيض انتزاعَ روحِك الصغيرة من بين أحضان والدتك المكلومةِ.. ها هو كفنك الأبيض قد التف سريعاً على جنبات جسدك المبتور الممتد على صرح الأموات، ليعجل برحيلك عن هذا العالم الشيطاني..
نأيتَ بعيداً إلى ملكوت طاهرٍ لا يوجد فيه ذئابٌ بشرية.. ذهبتِ إلى عالمٍ لا يشبه هذا العالم المريب.. رحلت لتحمّل هذا العالم المنافق ثمن سكوته وخنوعه حيال جرائم الطفولة المذبوحة في فلسطين..
فوا أسفاه.. ويا حزناه.. حين كان جسدك الصغير هو من دفع الثمن.. وحين أصبح قلبي المحزون هو من سيظل يبكيك حتى يأخذني الحنين إليك طفلي ومهجة الروح، لأضمكَ بين ذراعي من جديد.. سأظل أنتظر اللقاء صغيري.. فمتى اللقاء صغيري.