أولويات مشاورات الكويت وعقدة وفد الرياض
عبدالملك العجري
هل وقف الحرب العدوانية ووقف نزيف الدم والخراب الذي حل بالبلاد والعباد يمثل أولوية لمشاورات الكويت التي من المقرر أن تبدأ جولتها الثانية اليوم الجمعة ؟أم أن القرارات الأممية ومزعوم الشرعية تحولت إلى “بقرة مقدسة” وأولوية تركز المشاورات على كيفية عمل مقاربات ومخارج لا تنتهك شرعية البقرة المقدسة والقرارات الأممية , الأمر الذي يعني انقلاب المشاورات إلى جلسة مرافعات والدخول في جدل بيزنطي حول من يلتزم ومن لا يلتزم ,ومن عليه الالتزام ومن لا التزام عليه ,ومن ينتهك القرارات ومن لا ينتهكها وكل طرف يتقدم بعريضة طويلة من الدعاوي والادعاءات .
لا يهمنا الآن الخوض في مصداقية القرارات الأممية فليس المرة الأولى التي تكون فيها على المحك والمنطق الذي يحكم مجلس الأمن هو منطق المال والنفوذ لا منطق الأخلاق والعدالة الدولية ,لكن يفترض أن التفاهمات التي جرت في مسقط العام الماضي تمكنت من تجاوز عقدة القرارات الأممية من خلال تسوية توفق بين المرجعيات الأممية والمرجعيات الواقعية التي تفرضها خرائط الصراع على الأرض وتثبيت القرارات الأممية كمرجعية للحوار لا موضوعا له .والشيء الذي لم استطع استيعابه استمرار وفد الرياض وبعض الأطراف الدولية والإقليمية على تجاهل خرائط الصراع , وطرح شرعية هادي والقرارات الأممية كأولوية تتقدم في أهميتها وأولويتها على كوارث الحرب ووقف حمام الدم ,فمن أجل حماية النصوص المقدسة لا مشكلة في أن تتحول البلاد إلى مقبرة جماعية وخرابة كبيرة !!
بصراحة بت أتخوف إذا استمر الجدل حول شرعية “هادي” فترة طويلة ,ان يتحول النزاع حولها إلى أزمة تاريخية تنقسم الأمة الإسلامية (بل العالم) حولها كما انقسمت حول شرعية الخلفاء الراشدين إلى فسطاطين أو فريقين .
ومع تعصي حسم مسألة شرعية هادي أخشى أن يتطرف البعض ويرفع هادي إلى خامس الخلفاء الراشدين ,ويثبت الإقرار بالخليفة الراشد أبي جلال الفرار جزءا من العقيدة الدينية لا يكتمل إيمان المؤمن إلا بها , ومن ثم تسجيلها ثاني أزمة – بعد أزمة شرعية الخلفاء الراشدين -يستعصي على الأمة حسم الجدل حولها .
دعونا نتجاوز قناعتنا أن ما يجري هو عدوان سافر على اليمن ,فلا يمكن إنكار أن هناك طرفي نزاع مسلح سالت بينهما أنهار من الدماء فهل الحل أن يفرض على القوى في الداخل التعهد باستقبال مجموعة الرياض بالزغاريد؟ وان يسلموا أعناقهم طواعية لهادي وأنصار الرياض حتى تطمئن قلوبهم إلى انك صرت حملا وديعا ,وبعد أن تطمئن قلوبهم وتحصل القوى الوطنية على شهادة بحسن السيرة والسلوك من المجتمع الدولي يكافئونك أن تكون شريكا لهم في حكومة يعينها الخليفة الراشد ابو جلال الفرار.
إذا كانت جماعة الرياض تتعذر بأنهم لا يثقون بنا ,فنحن ليس فقط لا نثق بهم بل ولا نعدهم في الرجال , والحل الذي تطرحه الأمم المتحدة من خلال إجراءات بناء الثقة ..كيف ذلك ؟
مجموعة الرياض يريدونها على طريقة الفنان اليمني أيوب طارش “باعدوا من طريقنا جنة الحب حقنا ” ,أما في كل تجارب فض النزاعات المسلحة في العالم فتتم من خلال تسوية توافقية تحقق لأطراف النزاع – من خلال كونها جزءا من سلطة توافقية -الأمن على أنفسهم وأتباعهم
المتابع لتصريحات وردود أفعال مجمعة الرياض منذ رفع المشاورات المتطرفة في اشتراط التمسك بالمرجعيات الأممية والتمترس خلف مزعوم الشرعية واتخاذها مسمار جحا للتنصل من استحقاقات السلام ,,يستطيع أن يستشف المخاوف التي تدفعهم للتطرف في الاشتراطات التعجيزية .
معظم مهاجري الرياض خوفهم ليس على الشرعية بل من المستقبل , مقتلهم هو في أي تسوية تجمعهم مع القوى الوطنية وعلى رأسها أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام في إطار عمل رسمي مشترك ,وتنظم مستقبل التنافس السياسي بين الطرفين ,,هنا يرون مقتلهم .
هادي والمخلافي وجباري والبقية من مهاجري الرياض أو معظمهم مستيقنون أن مستقبلهم محروق ما دام على الساحة منافسين أقوياء كأنصار الله والمؤتمر وأنهم لا يملكون أي مقومات تؤهلهم للمنافسة ولذلك يراهنون على السعودية وعلى الحسم العسكري لتسوية الملعب السياسي وإخلائه من المنافسين السياسيين ,فهذا هو الملعب الذي يجيدون اللعب فيه.