عبدالله علي صبري
قرار مرتزقة الرياض بشأن نقل البنك المركزي إلى عدن لا يمكن النظر إليه إلا باعتباره حلقة في سلسلة الاستهداف الممنهج للاقتصاد اليمني ومحاربة الشعب في قوته ومعيشته اليومية، في أقذر عملية عقاب جماعي يتعرض له شعبنا في تاريخه.
وإذ اتخذت هذه الحرب صورا وأساليب شتى منذ مباشرة العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، فإن استهداف الاقتصاد يمتد إلى فترة حكومة الوفاق التي أقدمت على رفع الدعم عن المشتقات النفطية، بزعم أن الموازنة أصبحت تعيش عجزا حرجا قد يلحق ضررا بالغا بالبند الأول من ميزان المدفوعات الخاص برواتب موظفي الدولة مدنيين وعسكريين.
عجزت تلك الحكومة عن محاربة الفساد وفشلت في استثمار الدعم الخارجي لأطرافها، فاتجهت نحو المواطن كي يتحمل وحده عبء السفه والهدر للأموال العامة، وهو ما أفضى إلى اندلاع الثورة الشعبية التي انتصرت في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، وليس مصادفة أن يأتي استهداف الاقتصاد الوطني وقلعته الشامخة ممثلة بالبنك المركزي بالتزامن مع الذكرى الثانية للثورة.
وفي مواجهة الثورة نتذكر كيف أن دول الهيمنة الخارجية التي خسرت نفوذها في اليمن، عمدت منذ الايام الأولى للثورة إلى اختلاق فراغ ديبلوماسي بهدف عزل وحصار اليمن سياسيا واقتصاديا، وفوجئت هذه القوى أن قيادة الثورة تحركت في إطار بدائل أخرى كانت متاحة حينها، ووقعت اليمن مع إيران اتفاقات اقتصادية تضمنت حلولا على المدى العاجل والمتوسط للأزمة الاقتصادية.
لهذا السبب ولأسباب أخرى عجلت قوى الهيمنة بالعدوان المباشر على اليمن، مع إحكام حصار جائر وشامل بري وبحري وجوي، بهدف إخضاع اليمن من جديد وتركيعه، من خلال محاربته في قوته اليومي.
فوجئ العدوان السعودي الأمريكي بالصبر الجميل والاستراتيجي الذي تحلى به اليمنيون ولا يزالون وهم يواجهون والحصار وتبعاتهما، وفيما كانوا ينتظرون انهيار العملة وتهاوي الاقتصاد، كانت قوافل المدد تترى نحو الجبهات ومن كل مناحي اليمن، فيما كانت الإدارة الحكيمة للاقتصاد وللبنك المركزي حريصة طوال الوقت على ضمان دفع رواتب الموظفين، رغم تناقص الإيرادات يوما بعد آخر.
فاقم العدوان من وسائله القبيحة في محاصرة الشعب اليمني حتى من المساعدات والإغاثات الإنسانية، فاستمر في تدمير البنية التحتية وضرب الموانئ والمطارات والدفع بمرتزقته للاستيلاء على حقول النفط، منتظرا نضوب مخزون العملة النقدية في البنك المركزي، غير أن صمود الشعب اليمني الأسطوري، فاجأ العدوان من جديد.
ومعروف أن الحرب محرقة الاقتصاد وأنها تحرق الأخضر واليابس، والأرقام الفلكية التي تكبدتها السعودية في العدوان على اليمن دليل ناصع على اليمن انتصرت حتى الآن في مواجهة الحرب الاقتصادية، حتى لو افترضنا صحة ما يزعمه مرتزقة العدوان بشأن تمويل المجهود الحربي من النقدي الاحتياطي، فالمبلغ الذي يزعمونه ليس إلا نقطة في بحر من التكاليف والتضحيات الضخمة التي تحملها ويتحملها الشعب اليمني وهو يخوض معركة الكرامة والدفاع المقدس عن الوطن.
ثم إن التدخل الأمريكي الذي يحول دون طبع عملة نقدية، يأتي في إطار هذه الحرب القذرة، تماما كما هي خطوة حجر ما يزيد عن خمسة مليار دولار من مستحقات الشعب اليمني في المصارف الدولية..وماهذه الخطوات وما لحقها إلا رجع صدى للتهديد الأمريكي الذي أطلقه سفير أوباما إلى اليمن أثناء اجتماع الوفد الوطني بممثلي الدول الثمانية العشر في الكويت.
بيد أن خطوة نقل البنك المركزي إلى عدن- التي ما تزال مجرد حبر على ورق- تنطوي على إيجابيات من باب (رب ضارة نافعة )، فهذه الخطوة تلزم شلة هادي-بن دغر، بدفع رواتب موظفي الدولة في كل ربوع البلاد، وهذا متعذر إن لم يكن مستحيلا..
وفي المقابل فإن اليمنيين باتوا الآن على دراية تامة بحجم المؤامرة على الاقتصاد وعلى البنك المركزي، ما سيجعلهم متلاحمين ومتعاونين مع قيادة البلاد في أية اجراءات اقتصادية يمكن اتخاذها خلال الأيام المقبلة.
ولأنها خطوة حمقاء كما وصفها محمد عبدالسلام، فلا يستبعد أنها تأتي في سياق الرد المتأخر على الاتفاق الوطني وإعلان قيام المجلس السياسي الأعلى، الذي اعتبره مجلس الأمن خطوة أحادية.. وبنفس المنطق يمكن محاججة الأمم المتحدة التي يتعين عليها إعلان موقف مماثل تجاه الخطوة الأحادية المتعلقة بالبنك المركزي، على الأقل من باب ذر الرماد في العيون!
خلاصة القول أن شعبنا العظيم الذي تجاوز الكثير من التحديات والمخاطر طوال الفترة الماضية، قادر بالتوكل على الله، وبتكاتف جهود المخلصين من أبنائه ورجالاته أن يتجاوز الأزمة الاقتصادية، وكل مؤامرات الأعداء المتغطرسين، وصدق الله العظيم إذ يقول (( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون)